اتجاهات عالمية
في عصر التحولات التكنولوجية المتسارعة، أصبح من الضروري فهم العلاقة بين الذكاء الاصطناعي وسوق العمل. تشير التقارير الحديثة إلى أن التقنيات الحديثة – وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي التوليدي – تعيد رسم ملامح الوظائف حول العالم بشكل جذري.
فمن المتوقع خلق نحو 170 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030، في مقابل ضياع حوالي 92 مليون وظيفة، نتيجة التحولات التكنولوجية والاقتصادية. ويعادل هذا صافي إضافة حوالي 78 مليون وظيفة (أي 7% من القوى العاملة العالمية).
التغييرات التي يشهدها سوق العمل بفعل الذكاء الاصطناعي
أغلب الوظائف لن تُلغى تمامًا، بل ستُعاد هندستها من خلال إعادة توزيع المهام. يعمل الذكاء الاصطناعي وسوق العمل معًا على تحويل الأدوار التقليدية إلى وظائف تعتمد على الإبداع والقيمة المضافة، فيما تتولى البرامج والأنظمة المهام الروتينية.
أكثر القطاعات تأثراً
تتعرض الوظائف الإدارية والكتابية الروتينية للتأثير الأكبر، مثل:
-
المحاسبون والمدققون
-
الكتبة والمصرفيون
-
صرّافو البنوك وكتبة البيانات
حيث يُمكن أتمتة ما بين 80%–90% من مهامهم باستخدام تقنيات توليد اللغة الآلية.
أقل القطاعات تأثراً
الوظائف التي تتطلب تفاعلًا إنسانيًا مباشرًا مثل:
-
التعليم
-
الرعاية الصحية
-
الاستشارات المهنية والاجتماعية
تبقى أقل عرضة للأتمتة، نظرًا لطبيعتها الإنسانية التي يصعب استبدالها بالذكاء الاصطناعي.
وظائف جديدة في ظل الذكاء الاصطناعي وسوق العمل
يتزامن تراجع بعض الوظائف مع بروز أخرى مثل:
-
مطورو محتوى الذكاء الاصطناعي
-
مهندسو النماذج اللغوية
-
متخصصو أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
-
محللو البيانات الضخمة والأمن السيبراني
كيف تستعد دول الخليج لتحول سوق العمل؟
-
تولي دول الخليج أهمية كبيرة للتحول الرقمي واستراتيجية الذكاء الاصطناعي؛ فعلى سبيل المثال أطلقت السعودية «رؤية 2030» وتعزز الاستثمار بتكنولوجيا المعلومات (إنشاء مركز وطني للبيانات والذكاء الاصطناعي، ومشاريع مثل نيوم)، وخصصت الإمارات استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي 2031.
-
ومع ذلك، يُبيّن استبيان حديث أن تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط لا يزال أقل نسبياً من الغرب (56% من الشركات يستخدمها في المنطقة مقابل 85% في أوروبا والولايات المتحدة)، مما يشير إلى حاجة ملحة لتطوير الكفاءات المحلية.
-
تتوقع دراسات اقتصادية أن تسهم الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي وسوق العمل بزيادة ملموسة للناتج المحلي الخليجي؛ وقد قدر العائد الاقتصادي السنوي للذكاء الاصطناعي التوليدي في دول الخليج بنحو 23.5 مليار دولار بحلول 2030.
-
من المتوقع أن تستفيد السعودية والإمارات أكثر من سواهما (بنحو 12.2 و5.3 مليار دولار على الترتيب).
-
كما بدأت شركات كبرى (مثل أرامكو) باستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بصيانة المعدات وخفض التكاليف، مما رفع الكفاءة التشغيلية بنحو 20% في بعض المشاريع.
توصيات للتكيّف مع الذكاء الاصطناعي وسوق العمل
للأفراد:
-
يجب تنمية المهارات الرقمية والإبداعية المستقلة (مثل التفكير التحليلي، والتواصل، وحل المشكلات المركبة)، بالإضافة إلى التعلم المستمر حول أدوات الذكاء الاصطناعي.
-
ينصح الخبراء بإدراك إمكانات هذه التقنيات وتحويلها إلى مكمل للمهارات البشرية بدلاً من تهديد.
-
التركيز على المهارات التي يصعب أتمتتها (مثل الابتكار والذكاء الاجتماعي) إلى جانب تعلم الذكاء الاصطناعي ذاته.
للشركات والمؤسسات:
-
يُستحسن وضع خطط استراتيجية لاستشراف التغييرات القادمة، واستثمار الموارد في إعادة التدريب والتطوير الوظيفي للموظفين.
-
تشير التوقعات إلى أن 59% من القوى العاملة قد يحتاجون إلى تدريب جديد بحلول عام 2030.
-
يُنصح بتمويل برامج تدريبية داخلية أو بالتعاون مع جهات تعليمية، وإنشاء «سوق عمل داخلي» يربط الموظفين بالوظائف الناشئة ويحفز التنقل بين الأدوار المُتغيرة.
للحكومات وصانعي السياسات:
- من المهم دعم التعليم الفني والمهني في مجالات التكنولوجيا، وضمان وجود شبكات حماية اجتماعية عادلة للمتأثرين بالتحول التكنولوجي.
- يجب تطوير مناهج تعليمية جديدة تلبي طلب سوق العمل المستقبلي، والاهتمام بسياسات الحماية الاجتماعية (كتعويضات وإعانات التدريب).
-
تؤكد الأبحاث أن الآثار الاجتماعية للذكاء الاصطناعي وسوق العمل تتوقف بشكل كبير على سياسات الدولة في توجيهه وضمان الشمولية، مع أهمية إشراك العمال في صنع القرار.
خلاصة: هل نحن مستعدون لتحولات الذكاء الاصطناعي وسوق العمل؟
توضح البيانات أن الذكاء الاصطناعي لن يُقصي البشر من سوق العمل، بل سيُعيد تشكيله. الفرصة الحقيقية تكمن في التكيّف، والتعليم المستمر، والانفتاح على المهارات المستقبلية. فالاستعداد هو المفتاح الوحيد للاستفادة من هذا التحول بدلاً من أن يُشكّل تهديدًا.