في الأعوام الأخيرة شهد الوطن العربي والعالم اقبالاً كبيراً على عمليات التجميل من النساء اجمالاً والرجال أيضاً رغم التكاليف الباهظة لهذه العمليات. فهل بات يصرف الناس الاف الدولارات للحفاظ على وهم الجمال والشباب الابدي ام أصبح الناس يعانون من هوس المثالية الشكلية والتقليد الاعمى بسبب الانفتاح وسهولة الوصول في مواقع التواصل الاجتماعي؟، وما هو المؤشر الاقتصادي لظاهرة الاقبال الهائل على عمليات التجميل؟
لا شك ان هنالك عوامل كثيرة ساهمت وساعدت بانتشار رغبة افراد المجتمعات للقيام بعمليات التجميل واهم هذه العوامل هي الفضائيات التي من خلالها يظهر المشاهير وكل من يعمل تحت الضوء بأشكالهم الجميلة المثالية، ولكن باتت الظاهرة منتشرة أكثر فأكثر مع انتشار الاعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي. فمع كثرة المشاهير سواء كانوا في عالم الفن او الموضة او مدونين الكترونيين أصبح الناس يرو اشخاصاً مثاليي الشكل يومياً من خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي وايضاً على قنوات التلفزة فلأي مدى ينفق الناس للبحث عن الكمال في مظهرهم!
بين الحاجة الفعلية والهوس بالشكل والجمال تنفق مليارات الدولارات على عمليات التجميل التي باتت موضة بعد ان كانت حكراً على الأغنياء والمشاهير، موضة تكلف زبائنها أكثر بكثير من مساحيق التجميل وتدر على صانعيها أموالاً طائلة، فالإقبال على عمليات التجميل في تزايد مستمر. يمكن اعتبار حقيقة أن إجراءات التجميل الاختيارية زادت بنسبة 5٪ في العام الماضي بمثابة مؤشر على أن الاقتصاد يتعافى.
في العام الماضي كان هناك زيادة في الإجراءات التجميلية الشاملة، بما في ذلك زيادة 2٪ في العمليات الجراحية وزيادة بنسبة 6٪ في اجراءات الحد الأدنى من إجراءات التجميل مثل البوتكس، مقارنة مع عام 2010 وذلك حسب تقرير أصدرته الجمعية الأمريكية لجراحي التجميل (ايه اس بي اس) للإحصاء. ولكن أيضاً اشارت إلى التدني الاقتصادي حيث يختار المستهلكون اتباع إجراءات تجميلية أرخص مثل التقشير الكيميائي، البوتكس، إزالة الشعر بالليزر لأنهم لا يملكون المال اللازم لعمليات جراحية كبيرة، مثل جراحة تجميل الأنف.
على سبيل المثال: في عام 2005، تم تسجيل إجراء 2.1 مليون عملية جراحية في الولايات المتحدة، كان هناك حوالي 1.58 مليون عملية جراحية كهذه، أي بزيادة 2٪ عن العام السابق هذه هي إحدى الطرق التي سنتمكن جميعاً من خلالها معرفة مدى تحسن الاقتصاد. حيث سنكون قادرين على رؤيته مباشرة على الوجوه غير التعبيرية للأشخاص من حولنا.
وجدت عمليات التجميل منذ زمن بعيد، وأول من مارسها هم الفراعنة فاكتشف علماء الاثار في مصر انه أُجريت على وجوه ملوك الفراعنة منذ (٣٥٠٠ سنة) عمليات تجميل لكي يظهروا في أحسن صورة بالعالم الآخر فتم حشو أجزاء من الوجه ببعض المواد الراتنجية التي وضعت تحت الجلد لكي تعطي المظهر الطبيعي للوجه، والغريب أن هذه العمليات تمت على يد جراحين مهرة وباستخدام ما يشبه الحقن أسفل الجلد كما هو متبع الآن في عمليات التجميل، ولا يمكن أن تُرى جروحاً أو ثقوباً في الوجه توحي بوجود عملية حقن أسفل الجلد.
ليست مومياء الملك توت عنخ آمون فقط هي التي أكدت وجود مثل هذه الجراحات التجميلية بل تم الكشف عنها أيضاً في مومياء يويا، حيث تم الكشف عن حقن تحت الجلد. ولم تقتصر عمليات التجميل عند الفراعنة عند هذا الحد بل إن الأدلة الأثرية تؤكد أنهم قاموا بعمليات تجميل وحقن لكف اليدين والذراعين والقدمين، وكان الهدف الحفاظ على المظهر الحيوي للجسد. كما قاموا أيضاُ بعمليات تجميل للأنف، والأعين وحتى الجفون والتي كان يتم التعامل معها بحرص ومهارة فائقة. ومن أعجب الاكتشافات أن المحنطين الفراعنة قاموا بحشو البلعوم في بعض المومياوات بالشكل الذي يحافظ على حيوية مظهر الرقبة والدليل على ذلك مومياء يويا، التي كشفت الأشعة المقطعية لها وجود حشوات كتانية مغموسة بالزيوت الراتنجية بالبلعوم حسب ما اشار د.زاهي حواس وزير الدولة لشئون الاثار المصرية السابق، وشغل سابقاً منصب مدير آثار الجيزة.
ما هي المواد الراتنجية؟
الصمغ او الراتنج هو افراز عضوي يحتوي على مواد الهيدروكربونية من النبات ولا سيما من أشجار الصنوبر، كان يستخدمه الفراعنة بديلا عن البوتكس والفيلر في زمننا الحالي للتجميل. تحتوي مواد الراتنج على قيمة كبيرة لمكوناتها الكيميائية واستخداماتها مثل الورنيش والصمغ وهي مصدر هام للمواد الخام والتركيب العضوي. تدخل مواد الراتنج في تصنيع مواد الطلاء والبخور والعطور المستخدمة في الشعائر الدينية، أيضا في أحبار الطباعة وفي المواد المانعة للتسرب، وأيضا البلاستيك.
اليكم بعض الأرقام والإحصائيات لعمليات التجميل في دول العالم العرب
الامارات
ففي الامارات تبدأ تكلفة عملية تكبير الصدر ٨٠٠٠ دولار امريكي. العمليات غير البارزة مثل تبييض الاسنان من ٦٥٠ – ٧٥٠ دولار امريكي، بينما جراحة شد البطن الأكثر شهرة قد تدفعك الى صرف مبلغ يصل الى ١٠،٠٠٠ الى ١٧،٠٠٠ دولار. وفي الإمارات أصبحت عمليات التجميل أكثر انتشاراً، حيث تصل جراحات التجميل هناك إلى 18 ألف عملية في العام الواحد.
مصر
تعتبر مصر تاريخياً ثاني حضارة عرفت بعمليات التجميل بعد الهند، فقد أجري قدماء المصريون (زمن الفراعنة) عملية ترميم الأنف المكسور. أما عن عمليات التجميل بمصر في وقتنا الحالي فهي أيضاً تأتي في المركز الثاني عربياً بعد عمليات التجميل في لبنان من حيث توقيت البدء. لكن من حيث درجة التطور فهي فمراكز التجميل ببعض الدول الخليجية تتفوق على مراكز التجميل في مصر والأمر هنا يتعلق بفارق الإمكانيات لا الخبرة. عندما يتعلق الأمر بعمليات تجميل الأسنان أو الجسم، فإن مصر هي الرائدة في هذا المجال. يبدو أن التقنيات الجديدة، خاصة في منطقة البطن، تأتي إلى مصر أولاً.
السعودية
في المملكة العربية السعودية هناك إقبال كبير على عمليات التجميل بالرغم من وجود العديد من الآراء الشرعية المنتشرة في المملكة، ومع ذلك فإن الاقبال شديد واستعداد الناس لتحمل تكلفة عمليات التجميل التي قد تصل إلى 213 مليون دولار سنويا أي 826 مليون ريال وبذلك تحتل المركز الثاني في الإنفاق على عمليات التجميل في الشرق الأوسط بعد مصر.
وتمثل تكلفة الحقن بالبوتكس وحدها 500 ألف ريال سنوياً لكل من الرجال والنساء، أما نسبة الرجال الذين يجرون عمليات التجميل بالسعودية فتصل 10% من إجمالي عمليات التجميل التي تُجرى هناك سنوياً، وتكون أغلب هذه العمليات تجميل الأنف وشفط الدهون وتعديل الذقن واستخدام الليزر في ازالة الاكياس الدهنية وازالة البثور من الوجه.
وتصل تكلفة تعديل الأنف وتصغير أو تكبير الثدي إلى 15 ألف ريال دون تكلفة البنج وباقي تكاليف العلاج والادوية حتى الشفاء من الجراحة.
الكويت
حيث يمثل المقبلين على عمليات التجميل من الرجال 30% من اجمالي عمليات التجميل السنوية بالكويت ويركز الرجال على زراعة الشعر وشفط الدهون وحقن البوتكس لإخفاء علامات السن. اما المرأة الكويتية فقد أصبحت مولعة بعمليات التجميل والتي تكون في الغالب لشفط الدهون من البطن والمؤخرة وذلك بسبب طبيعة استهلاك الطعام ذلك المجتمع التي تركز على اللحوم مما يؤدي الى السمنة.
لبنان
يُجرى في لبنان سنويا ما يصل الى 5 ملايين عملية تجميل للأنف وهذا عدد هائل مقارنة بعدد سكان لبنان البالغ ٤ ملايين نسمة وقد يُعزى هذا الى انخفاض تكلفة هذه العملية التي تبلغ خمس التكلفة في الولايات المتحدة الامريكية أي ما يقارب ال 2500 دولار، بينما تبلغ 10,000 دولار في أمريكا. وقد انخفضت مؤخراً نسبة العمليات في لبنان بسبب توجه العديد من الناس الى دبي لأجراء مثل هذه العمليات.
ما هي تكلفة الجمال؟
في الأعوام الأخيرة شهد الوطن العربي والعالم اقبالاً كبيراً على عمليات التجميل من النساء اجمالاً والرجال أيضاً رغم التكاليف الباهظة لهذه...