هل يشهد المغرب نقطة تحول لشركاته الناشئة مع إطلاق صندوق جديد بقيمة 24 مليون دولار؟

هل يشهد المغرب نقطة تحول لشركاته الناشئة مع إطلاق صندوق جديد بقيمة 24 مليون دولار؟

أعلنت المغرب عن إطلاق صندوق بقيمة 240 مليون درهم (24 مليون دولار) كجزء من استراتيجيتها الكبرى “المغرب الرقمي 2030″، مما يمهد الطريق لما تأمل أن يكون نهضة للشركات الناشئة المحلية. جاء هذا الإعلان من قبل غيثة مزور، وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، خلال القمة الرقمية الأفريقية السادسة في الدار البيضاء، وهو أحدث جهد لإنعاش منظومة التكنولوجيا في المغرب. ومع ذلك، رغم أن الخطاب طموح، يبدو الصندوق نفسه، بالنظر إلى واقع التمويل العالمي للشركات الناشئة، وكأنه دفعة خفيفة بدلاً من دعم قوي.

وسارعت مزور إلى ربط هذا الصندوق الجديد بالطموحات الرقمية الأوسع للبلاد، مؤكدة أن الابتكار المحلي سيكون حجر الزاوية في مستقبل الاقتصاد المغربي. ويهدف الصندوق إلى تحفيز الطلب على الخدمات المبتكرة، وخلق فرص الاستعانة بمصادر خارجية، ودفع الشركات الناشئة المغربية إلى الساحة الدولية. وقالت مزور: “نحن ملتزمون بدعم شركاتنا الناشئة المحلية من خلال فتح أسواق جديدة وضمان أن تجد أفكارهم موطئ قدم على المستوى الدولي”، معبرة عن تفاؤلها.

ومع ذلك، في عالم تمكنت فيه كينيا من جمع 800 مليون دولار لتمويل الشركات الناشئة في العام الماضي، تبدو 24 مليون دولار كوجبة خفيفة على مأدبة تتغذى فيها دول أخرى على الأطباق الرئيسية.

المغرب الرقمي 2030: الرؤية

يعد صندوق الـ 24 مليون دولار جزءًا من خارطة طريق أوسع وطموحة وُضعت في إطار خطة “المغرب الرقمي 2030” التي تم الكشف عنها مؤخرًا. تهدف الخطة إلى تحقيق أهداف كبيرة: إنشاء 1000 شركة ناشئة بحلول عام 2026 و3000 بحلول عام 2030، بدعم من تمويل متوقع قدره 200 مليون دولار للشركات الناشئة بحلول عام 2026 و700 مليون دولار بحلول نهاية العقد. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الخطة بتدريب 100,000 شاب مغربي على المهارات الرقمية، في إطار استراتيجية تهدف إلى تحويل المغرب إلى قوة تكنولوجية إقليمية — أو على الأقل هذا هو الحلم.

ودعت غيثة مزور القطاعين العام والخاص المغربيين إلى “الثقة في الشركات الناشئة المحلية”، مشددة على أن الشركات المحلية يمكن أن تكون محركات للنمو والابتكار. كما أعلنت الحكومة عن خطط لتقديم “علامة الشركات الناشئة المغربية” وتبسيط الأطر القانونية لجعل إطلاق الشركات الجديدة أسهل. وتشمل هذه الاستراتيجية أيضًا إنشاء مراكز احتضان، وشراكات مع لاعبين وطنيين ودوليين، وسلسلة من الإصلاحات.

لكن الطموحات غالباً ما تبدو أفضل على الورق، والتحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ. تاريخ المغرب مع المبادرات الخاصة بالشركات الناشئة مليء بالوعود الكبيرة التي لم تحقق نتائج ملموسة دائمًا.

الواقع العملي

بالرغم من أن خطط المغرب تبدو جريئة، إلا أنها تواجه تحديات واقعية لا يمكن إنكارها. وفقًا لمؤشر النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة لعام 2024، يحتل المغرب المرتبة 92 عالميًا — وهي مرتبة متواضعة في مجال الشركات الناشئة — والمرتبة العاشرة في العالم العربي. في عام 2023، جذبت الشركات الناشئة المغربية تمويلًا قدره 17 مليون دولار فقط، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالقوى الناشئة في كينيا ومصر، التي حصلت على 800 مليون دولار و640 مليون دولار على التوالي.

وليس الأمر متعلقًا بالأرقام فقط، بل بالنظام البيئي الهش للشركات الناشئة الذي كافح لاكتساب الزخم، جزئيًا بسبب بيئة تنظيمية غير صديقة ونقص حاد في التمويل. ورغم أن مبادرات مثل “تكنوبارك” وبرنامج “فرصة” حاولت دعم المشاريع الريادية، إلا أن الإجماع بين الخبراء هو أن هذه الجهود ليست كافية.

وقد أوضح زكريا فهيم، المدير التنفيذي لشركة “كورير” — وهي شركة ناشئة تطور طائرات مسيرة متعددة الوظائف للاستخدام الزراعي — ذلك بقوله: “ما يحتاجه المغرب هو تمييز واضح بين الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة. الشركات الناشئة تنمو بسرعة وتحتاج إلى نوع مختلف تمامًا من الدعم”. وأكد فهيم أن هناك طموحًا، لكن ما ينقص هو البنية التحتية لتوسيع هذه الأعمال، سواء في الداخل أو الخارج.

أيمن ستيتو، المؤسس المشارك لشركة “سكارابوت” — وهي شركة تصنع روبوتات لتنظيف الموانئ — شارك نفس المخاوف. وأشار إلى نقص الدعم الفني باعتباره عائقًا أساسيًا. وقال: “البرامج التي لدينا — ‘فرصة’، ‘تمويلكم’، وحتى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH) — مفيدة ولكنها ليست مصممة للشركات الناشئة التقنية. هناك فجوة كبيرة بين مرحلة البحث والتصنيع”، مضيفًا: “بدون الخبرة والتمويل المناسب، نعاني من الانتقال من الفكرة إلى السوق”.

مشاكل البنية التحتية الرقمية

ولا يساعد أن البنية التحتية الرقمية في المغرب لا تزال متأخرة. على الرغم من أن البلاد أحرزت تقدمًا في الاتصال بالإنترنت والخدمات الرقمية، إلا أنها لا تزال متخلفة مقارنة بالأنظمة البيئية للشركات الناشئة في أفريقيا. بالنسبة للشركات الناشئة التي تعتمد على المعاملات والخدمات عبر الإنترنت، فإن البنية التحتية الحالية تشكل قيدًا وليست عامل تمكين.

وشدد ستيتو على أن وتيرة التحول الرقمي البطيئة في المغرب تحد من قدرة الشركات الناشئة على التوسع. وأضاف: “نحتاج إلى الربح من الإنترنت، ولكن المشهد الرقمي ليس جاهزًا بعد”. هذه الصعوبات ليست فريدة من نوعها في المغرب، ولكنها أكثر حدة في بلد يحاول أن يتفوق في المشهد التقني الأفريقي.

عامل المنافسة

إذا لم يكن ذلك كافيًا، تواجه الشركات الناشئة المغربية أيضًا منافسة متزايدة من اللاعبين الدوليين الذين يدخلون السوق المحلي بسرعة. في الآونة الأخيرة، أعلنت شركة “نتوورك إنترناشونال”، الرائدة في التجارة الرقمية في الشرق الأوسط وأفريقيا، عن توسعها في المغرب. وعلى الرغم من أن تدفق الشركات الأجنبية يمكن أن يحفز الابتكار، إلا أنه يشكل تهديدًا للشركات الناشئة المحلية التي تتأخر في التمويل والمعرفة التقنية عن نظيراتها الدولية. هناك قلق متزايد حول ما إذا كان المغرب قادرًا على الصمود أمام الضغوط من المنافسين الأجانب الأكثر تقدمًا.

أطلق الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) مؤخرًا مبادرة “CGEM for Tech Founders” لتبسيط العمليات الإدارية وتقديم فرص للتواصل، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن هل يمكن لهذه المنصة الجديدة تعويض سنوات من نقص التمويل والتطوير؟

طريق طويل أمامنا

النظام البيئي للشركات الناشئة في المغرب عند مفترق طرق حاسم. بلا شك، يعد صندوق الـ 24 مليون دولار تطورًا إيجابيًا، ولكنه قطرة صغيرة في محيط شاسع. السؤال الكبير هو ما إذا كانت هذه المبادرة ستكون كافية لمعالجة التحديات العميقة التي أعاقت الطموحات التقنية للبلاد. لكي تزدهر الشركات الناشئة المغربية، يرى الخبراء أن النظام البيئي يحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد حقنات تمويلية عرضية — بل يحتاج إلى إصلاحات شاملة، خاصة في مجالات مثل البنية التحتية الرقمية وآليات التمويل والأطر التنظيمية.

قد يشير المتفائلون إلى تركيز الحكومة المتجدد على الشركات الناشئة كدليل على أن التغيير قادم. لكن المتشككين سيلاحظون أن تاريخ المغرب مليء بالمبادرات حسنة النية التي تلاشت قبل أن تحقق تأثيرًا ملموسًا.

سواء كان المغرب قادرًا على تحقيق رؤيته الطموحة ليصبح مركزًا تقنيًا إقليميًا بحلول عام 2030، فهذا ما سيتضح في المستقبل. ولكن في الوقت الحالي، لقد بدأت الرحلة، إلا أن الطريق طويل وشاق من هنا.

هل يشهد المغرب نقطة تحول لشركاته الناشئة مع إطلاق صندوق جديد بقيمة 24 مليون دولار؟

spot_img

اشترك معنا ليصلك كل جديد

اشترك معنا ليصلك كل جديد

Related articles

spot_imgspot_img

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

×