!مسحوقٌ اصفر يمكن أن يمتص نفس كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها شجرة
في بداية هذا المقال، نود أن نسلط الضوء على عالم الكيمياء البارز عمر م. ياغي، الذي يقف وراء هذا الاكتشاف المذهل. ياغي هو أستاذ كرسي جيمس ونيجلي تريتر في الكيمياء بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، وعالم مشارك في مختبر لورانس بيركلي الوطني. كما أنه المؤسس والمدير لمعهد بيركلي العالمي للعلوم. ولد ياغي في عمان، الأردن، عام 1965 لعائلة لاجئة من فلسطين، ومن خلال أبحاثه الرائدة في مجال الكيمياء، تمكن من تطوير حلول مبتكرة يمكن أن تساهم في الحفاظ على بيئتنا ومواجهة تغير المناخ.
في وقت سابق من هذا العام، قام العلماء في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، بتعبئة جهاز بمسحوق أصفر ساطع، وربطوه بأنبوب ثم أدخلوا الأنبوب من خلال جدار المختبر. على مدار 20 يومًا، استخدموا هذا المادة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء الخارجي. ثم قاموا باستخراج ثاني أكسيد الكربون من المسحوق وكرروا العملية 100 مرة.
تعمل هذه المادة على حبس الغازات الدفيئة داخل مليارات المسامات الصغيرة؛ إذ يمكن لسبع أونصات منها امتصاص حوالي 44 رطلاً من ثاني أكسيد الكربون في السنة، وهو تقريباً نفس كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها شجرة كبيرة. وبما أن استخدام هذه المادة فعّال من حيث استهلاك الطاقة وتتميز بمتانتها العالية، فإنها يمكن أن تساعد بشكل كبير في تقليل تكاليف محطات التقاط الهواء المباشر التي تسحب ثاني أكسيد الكربون من الجو.
التحدي الأكبر
المشكلة التي تواجهنا ضخمة. حيث وصلت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى أعلى مستوى لها هذا العام، مما ساهم في تفاقم الظواهر الجوية القاسية مثل موجات الحرارة والأعاصير. حتى لو توقفت جميع الانبعاثات الجديدة الآن، فإن مئات مليارات الأطنان من الانبعاثات السابقة ستظل موجودة في الغلاف الجوي وتحتاج إلى الإزالة للمساعدة في استقرار المناخ. لهذا السبب، أصبح امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء ضروريًا مثل إزالة الكربون من الاقتصاد. لكن التكنولوجيا المستخدمة في التقاط الهواء المباشر حاليًا باهظة التكلفة ولا يمكن تطبيقها على نطاق واسع.
تطور التكنولوجيا
كانت الأجيال المبكرة من تكنولوجيا التقاط الهواء المباشر تستخدم السوائل لالتقاط ثاني أكسيد الكربون، ولكن هذه العملية كانت تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وكان التخلص من السوائل السامة يشكل تحديًا آخر. الآن، تستخدم بعض الشركات مواد صلبة تقلل من استهلاك الطاقة، لكن هذه المواد لا تدوم طويلاً بما فيه الكفاية.
ولكن المادة الجديدة التي طورها فريق ياغي تستطيع تقليل التكاليف بشكل ملحوظ، لأنها يمكن أن تُستخدم مرات عديدة دون أن تتلف. يقول ياغي: “عندما تمتلك مادة جيدة وتستطيع استخدامها لفترة طويلة، فإن ذلك يعني أن العملية برمتها تصبح أرخص”. هذه المادة تحمل الاسم COF-999، وهو اختصار لـ “الإطار العضوي التساهمي”، وهو هيكل كيميائي قوي طوره مختبر ياغي.
حلول متطورة
تستطيع هذه المادة الجديدة التقاط ثاني أكسيد الكربون وإطلاقه للتخزين على مدار عشرات الآلاف من الدورات قبل الحاجة إلى استبدالها. بالإضافة إلى ذلك، تختلف هذه المادة عن غيرها من المواد المستخدمة في محطات التقاط الهواء المباشر الحالية لأنها لا تتضرر بالرطوبة، مما يلغي الحاجة إلى استهلاك طاقة إضافية لتجفيف الهواء قبل تمريره عبر الفلاتر. كما أنها تستخدم طاقة أقل بكثير عندما يتم إطلاق ثاني أكسيد الكربون للتخزين. بينما تحتاج الأنظمة الأخرى إلى تسخين يصل إلى 250 درجة فهرنهايت لإطلاق ثاني أكسيد الكربون، فإن هذه المادة تحتاج فقط إلى حوالي 140 درجة فهرنهايت.
ويقول سامر طه، الرئيس التنفيذي لشركة Atoco، التي تقوم بتطوير البحث لتسويقه: “الحرارة المنخفضة تفتح الباب لاستخدام الحرارة المهدورة أو حتى مصادر الطاقة المنخفضة الجودة”.
التكاليف والآفاق المستقبلية
في الوقت الحالي، يمكن أن تصل تكلفة التقاط الهواء المباشر إلى ما بين 600 إلى 1000 دولار لكل طن من ثاني أكسيد الكربون الذي يتم التقاطه. تهدف الصناعة إلى خفض التكلفة إلى 100 دولار للطن، ويعتقد طه أن ذلك ممكن، قائلاً: “بمجرد أن نتمكن من توسيع نطاق هذه التكنولوجيا، فإن كفاءة الطاقة التي سنحققها ستسمح لنا بالوصول إلى هدف 100 دولار للطن أو حتى تجاوزه”.
لا يزال العلماء في جامعة كاليفورنيا يعملون على تطوير هذه المادة، التي قد تصبح قادرة على التقاط المزيد من ثاني أكسيد الكربون داخل مساماتها. وفي الوقت نفسه، يعمل مهندسو شركة Atoco على تعديل المادة لاستخدامها في الصناعة، بحيث يمكن إدخالها في المنشآت الحالية لالتقاط الهواء المباشر. الشركة تتفاوض حاليًا مع بعض الجهات الصناعية التي قد تبدأ في اختبار المادة خلال الأشهر المقبلة، وتخطط Atoco للوصول إلى الإنتاج التجاري الكامل في غضون عامين.
المصدر: Fast Company