كيف يُنهك تعدد المهام الدماغ؟

الخرافة

تعدد المهام، سواء لدى الآلات أو الدماغ البشري، هو مصطلح مضلل. الحواسيب لا تقوم بتعدد المهام فعليًا، بل تقسم وقت المعالجة إلى أجزاء صغيرة، مثل 200 ميلي ثانية لكل مهمة، وتنتقل بينها حتى تُنجزها. هذا التقسيم يقلل من كفاءة الأداء، مما يؤدي إلى تباطؤ الحاسوب عند زيادة المهام.

بالمثل، يعمل الدماغ البشري بطريقة مشابهة. لا يمتلك الدماغ الطاقة اللازمة لتنفيذ أكثر من مهمة واحدة بفعالية في الوقت نفسه. عند محاولة القيام بمهمتين أو أكثر، تتدهور جودة الأداء لكل منهما مقارنةً بأدائها بشكل منفصل وبتركيز كامل.

تأثير التبديل بين المهام

يقول كال نيوبورت، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة جورجتاون، إن مجرد التبديل بين المهام، مثل فحص البريد الإلكتروني سريعًا، يسبب تغيرات معرفية تؤثر على الإنتاجية. حتى التبديل البسيط بين المهام يُعتبر “سُمًّا للإنتاجية”.

خرافة تعدد المهام: ما أثبتته الدراسات

وجد البروفيسور كليفورد ناس من جامعة ستانفورد أن الأشخاص الذين يظنون أنفسهم بارعين في تعدد المهام يكونون أسوأ في تجاهل المعلومات غير المهمة وفي التبديل بين المهام. ومع ذلك، استمر المشاركون في الاعتقاد بقدرتهم الفائقة، غير متأثرين بالنتائج التي تثبت عكس ذلك.

تعدد المهام الإعلامية وتأثيرها

أصبح من الشائع أن يجمع الأشخاص بين مشاهدة التلفاز واستخدام أجهزة ذكية، حيث يتبنى 60% من البالغين في الولايات المتحدة هذا السلوك. الدراسات تشير إلى أن تعدد المهام الإعلامية يقلل القدرة على التركيز ويزيد من النسيان، ويؤدي إلى تقلص حجم منطقة في الدماغ مسؤولة عن توجيه الانتباه.

تداعيات متعددة المهام في الطب

في مجال الطب، حيث الاهتمام بالتفاصيل ضروري لإنقاذ الأرواح، قد يؤدي تعدد المهام إلى أخطاء كارثية. على سبيل المثال، في إحدى الحالات، أدى تشتيت انتباه طبيبة بسبب رسالة نصية إلى نسيان تعديل جرعة دواء لطفل مريض، مما تسبب في أضرار صحية جسيمة.

السجلات الإلكترونية وتأثيرها على التفاعل البشري

تتطلب السجلات الطبية الإلكترونية تركيزًا كبيرًا، مما يجعل الأطباء يركزون على الشاشة بدلًا من المريض. بينما يُفترض أن تسجيل الملاحظات، سواءً بخط اليد أو إلكترونيًا، لا يؤثر على جودة الرعاية، إلا أن السجلات الرقمية تزيد من صعوبة الاستماع الفعال، ما يؤثر سلبًا على العلاقة بين الطبيب والمريض.

التشتت وفقدان الانتباه

ظاهرة “العمى اللا إرادي”، حيث يتجاهل الدماغ ما لا يركز عليه، أصبحت أكثر شيوعًا مع الاستخدام المفرط للشاشات. هذا التشتت يضعف قدرة الأفراد على التعلم والتذكر، ويجعلهم غير مدركين للآثار السلبية لهذه العادات.

استنزاف الدماغ للطاقة

الاعتقاد الشائع بأننا نستخدم 10% فقط من أدمغتنا خاطئ. الحقيقة أن الدماغ يستهلك كميات هائلة من الطاقة، حيث يستخدم دماغ البالغ 20% من السعرات الحرارية اليومية، بينما يستهلك دماغ الطفل 50-60%. هذا الاستهلاك الكبير للطاقة هو السبب وراء الحاجة إلى التركيز على مهمة واحدة بدلًا من محاولة تعدد المهام.

التكلفة العصبية لتعدد المهام

إجراء عمليات متعددة يتطلب طاقة تفوق قدرة الدماغ على التحمل. عند استنفاد الموارد العصبية، يحدث خلل في التركيز، مما يؤدي إلى التعب والأخطاء. للحفاظ على الكفاءة، يعمل الدماغ بنسبة صغيرة من خلاياه في أي لحظة، وهو ما يُعرف بـ”الترميز النادر”، لضمان استهلاك أقل للطاقة مع تحقيق أقصى إنتاجية.

الحاجة إلى التركيز الانتقائي

التركيز الانتقائي هو استراتيجية الدماغ لمواجهة استنزاف الطاقة. العمليات التي تتطلب الانتباه الكامل، مثل التعليم أو التفاعل الإنساني، تتأثر سلبًا عند محاولة تعدد المهام. لذا، تُعتبر محاولات تنفيذ مهام متعددة في وقت واحد مسعى غير مجدٍ.

spot_img

اشترك معنا ليصلك كل جديد

اشترك معنا ليصلك كل جديد

Related articles

فرصة ذهبية لتطوير شركتك الناشئة مع Orange Corners!

فرصة ذهبية لتطوير شركتك الناشئة مع Orange Corners! هل تبحث...

الحقائب المقلدة: ثورة في عالم الموضة الفاخرة

الحقائب المقلدة: ثورة في عالم الموضة الفاخرة الفرق بين الأصلي...

ساعة واحدة الآن يمكن أن توفر لك آلاف الدولارات في عام 2025

ساعة واحدة الآن يمكن أن توفر لك آلاف الدولارات...

كيف تحوّلت زينة وهدايا عيد الميلاد إلى صناعة بمليارات الدولارات؟

كيف تحوّلت زينة وهدايا عيد الميلاد إلى صناعة بمليارات...
spot_imgspot_img

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

×