كيف يمكن لمجموعة شبابية أن تحوّل التجربة الفلسطينية اليومية بألمها، صمودها، وتناقضاتها إلى موسيقى صادقة تهزّ القلب قبل الأذن؟ هذا السؤال كان بوابتنا إلى واحدة من الحوارات المميزة مع فرقة Anténe، التي التقينا بها لنغوص في رحلتها، رؤيتها، وصوتها الذي يخرج من عمق الواقع ليصل مباشرةً إلى المستمع.
في حديث جمع بين الشفافية والعفوية، شاركتنا الفرقة قصصًا عن البدايات، معنى الاسم، الصعوبات، واللحظات التي صاغت هويتهم الفنية.
في مجلة لكُم، نؤمن دائمًا بدعم الشباب المبدع وفتح مساحة لأصوات جديدة تُشكّل ملامح المشهد الثقافي القادم. لهذا كان هذا الحوار مساحة للاحتفاء بفرقة تحمل الكثير من المستقبل.
وقد تولّت عرين عابودي كتابة إجابات الفرقة وصياغتها بشكل يعكس رؤيتهم وأسلوبهم الموسيقي كما أرادوا تقديمه.
إليكم ما حدث…
لماذا قررتم تأسيس فرقة Anténe؟ ما قصة تشكيل الفرقة، وماذا يعني اسم “Anténe”؟
لطالما كانت الموسيقى تعيش داخل كلٍّ منا، ولكن عندما التقينا عام 2023 بدأت تجد صوتًا مشتركًا. من ذلك اللقاء، نشأت Anténe كفرقة تحمل رغبة في منح صوت للمشاعر التي غالبًا ما تبقى غير منطوقة، سواء كانت شخصية بعمق أو مشتركة بين عامة الناس.
معًا، كفرقة مكونة ٤ اشخاص: عبد الحميد (عازف الجيتار والملحن)، وجميلة “Jams” (المغنية الرئيسية وكاتبة الأغاني) وطارق (عازف الإيقاع وموزع موسيقي)، وعرين (عازفة الجيتارباس وموزعة موسيقية) نخلق موسيقى تتردد كموجة، تُرسل مشاعر الفرقة إلى الخارج وتستقبل مشاعر من يستمع إليها.
يعكس اسم Anténe التزامنا بالإنصات لانفسنا وإيقاعات المجتمع من حولنا. من خلال موسيقانا، نلتقط ونستقبل ونبث، ونحاول أن نُظهر حقائق ومشاعر صادقة وغير مصقولة. لأننا قبل أي شيء آخر نحن بشر نحاول الترابط مع الآخرين عبر صوت الموسيقى.
هل يمكنكم أن تخبرونا عن الأغاني التي أصدرتموها حتى الآن؟ ما المواضيع التي تتناولها، وما الرسالة التي تأملون أن يتلقاها المستمعون؟
من إصداراتنا القادمة ذات الأهمية الخاصة هي أغنية “خدني معاك”، والتي كتبت خلال الشهر الثاني من الإبادة الجماعية على غزة عام 2023. كُتبت كردّ على الألم الساحق والصمود الذي كنا نشهده، وهي تعبير حلمي لكنه واقعي في الوقت ذاته، يقف في تناقض مع الواقع القاسي الذي يعيشه أهلنا في غزة والفلسطينيون عمومًا. وتعكس الأغنية أيضًا حال الأطفال الذين لا يزالون يحاولون اللعب، فهم عالمهم، والتشبث بالخيال وسط الدمار. إنها تحية لروحهم، ورفضهم التخلي عن إنسانيتهم.
من خلال هذه الأغنية، نأمل أن يشعر المستمعون بالقوة الثابتة التي تُعرِف الروح الفلسطينية. لانها أغنية عن حياة أفضل والكرامة والمقاومة والأمل الذي لا ينطفئ.
أما الأغنية الأخرى فهي مستوحاة من شخصية الفرد ذو “السبع صنايع” وهو الإنسان الذي يرتدي قبعات عديدة فقط ليتمكن من الاستمرار. الأغنية تستكشف التوتر الناتج عن الاضطرار لأن يكون الشخص متعدد المهارات وأن يكون دائما قادرا على التكيف، والمرونة، والابتكار ولكن هذا يقابله الإرهاق وفقدان اكتمال الذات. من خلال الإيقاعات المتغيرة والطبقات اللحنية، تلتقط الأغنية القوة المكتسبة من محاولات النجاة المستمرة لكن أيضا تعبر عن الإرهاق الذي يحدث في الوقت ذاته. إنها احتفاء بالقدرة على التنوّع، مع التساؤل عن ثمن التغيّر المستمر على الحياة ومدى ضرورته.
*من المتوقع إصدار كلتا الأغنيتين في أوائل عام 2026، غالبًا في شهر يناير.
كيف تختلف Anténe عن الفرق المحلية الأخرى؟ ما الذي يميزكم ؟
Anténe ليست مجرد مخرج للموسيقى، لكنها منفس نفسي للمشاعر. نحن نصنع الموسيقى لنعبر عن ذاتنا ونكتشفها. يجمع أسلوبنا بين عمق الكلمات الغنائية، والألحان العاطفية، والكتابة التعاونية، ما يمزج بين عدة أنماط وخلفيات موسيقية لتكوين حس موسيقي متجذر في الواقع الثقافي لكنه أيضًا منفتح على الإبداع العالمي.
كل عضو في الفرقة يساهم في العمل على كل الاصعدة من ناحية موسيقية، وعاطفية أيضًا، ونعتبر عملية الإبداع والإنتاج الفني الخاصة بنا مساحة للتأمل المشترك والابداع للخروج عن المألوف.
ما يميزنا هو التزامنا بالتعبير عن عفوية تجاربنا وتنوع المواقف والتعبير الموسيقي: نحن نعلم ان أغنياتنا ليست دائمًا مريحة لكننا نحرص على ان تكون دائمًا حقيقية.
تتناول أعمالنا مواضيع شخصية مثل الهوية، الانفتاح العاطفي، الضغط الاجتماعي، الصمود، والنضالات الصامتة التي تعيش تحت سطح الحياة اليومية في فلسطين. كل مقطع موسيقي ينبع من مشاعر صافية، ليس فقط من تجاربنا الشخصية، بل مما نراه حولنا. هدفنا هو خلق مساحة للتفكير والحوار والتنفس العاطفي ونأمل أن يجد المستمعون جزءًا من أنفسهم في موسيقانا، وأن يمضوا وهم يشعرون بأنهم مرئيين، مسموعين، ومخوّلون للشعور أكثر، لا أقل.
ذكرتم مسبقاً أن إدارة الفرقة تشبه إدارة شركة ناشئة. هل يمكنكم مشاركة المزيد عن هذا التشبيه؟
مثل الشركة الناشئة، تبدأ الفرقة من فكرة، واتجاه موسيقي معين وإحساس بوجود فجوة أو موضوع لم يتم التعبير عنه أو التطرق إليه. يتطلب الأمر هيكلًا، وتخطيطًا، وقدرة على التكيف، وإيمان والتزام قوي بهذه الفكرة لمدة طويلة.
كان علينا أن نفكر كروّاد أعمال: بناء هوية، محاولة تنمية جمهورنا باستمرار، موازنة الحرية الإبداعية والانتاجية مع الواقع اللوجستي والزمني، واتخاذ القرارات كفريق.
من أكبر التحديات التي نواجهها هي التنسيق في ما بيننا: توحيد الجداول، الطاقات، والمدخلات الإبداعية، بينما نحافظ على الزخم. لكننا نتعامل مع هذا الامر من خلال ايماننا ان Anténe هي مسؤولية مشتركة بيننا. وكأي مشروع عمل، ما زلنا نتطور، لكننا وجدنا أن المفتاح هو التواصل المفتوح، الأدوار الواضحة، والتواصل المستمر للنمو معًا كفرقة وكأفراد.
ما رؤيتكم للمستقبل؟ أين ترون Anténe في الأشهر والسنوات القادمة؟
رؤيتنا هي أن ننمو بشكل عفوي دون فقدان جوهرنا أو رسالتنا. في الأشهر المقبلة، نخطط لإصدار المزيد من الموسيقى والتعاون مع فنانين من المنطقة، وأداء عروض في مساحات تتناغم مع رسالتنا.
بذات نطمح أن تصبح Anténe من أحد الأصوات الثقافية في فلسطين أو حتى منطقة الشرق الأوسط وأن تكون جسرًا بين الفن والحوار الاجتماعي على المدى الطويل، وبالطبع الهدف الأساسي هو بناء أعمال موسيقية صالحة لكل زمان، تقديم عروضات حيّة امام الجمهور، والتوسع عالميًا لإيصال وتضخيم الأصوات والقصص التي نحملها معنا.
ما دور الصمود في موسيقاكم ورحلتكم كفرقة؟ وكيف تعكسون التجارب الشخصية والجماعية من صراع وقوة في أعمالكم؟
الصمود هو نبض Anténe. في فلسطين، الصمود والصبر ليس خيارًا، بل إيقاع يومي. كلٌ منا يحمل تجارب شخصية وجماعية من النضال من مواجهة عدم اليقين إلى مقاومة التبلد العاطفي. ولكننا نحمل أيضًا القوة في صداقتنا وإبداعنا وإيماننا بالتعبير.
الموسيقى هي وسيلتنا لتحويل العبء النفسي إلى شيء ذو معنى. إنها تسمح لنا بالجلوس مع المشاعر الصعبة دون أن تبتلعنا. عندما نبدع معًا، نحول روتين البقاء اليومي إلى فن، ونمنح الآخرين من خلال ذلك فرصة للشعور بمشاعر متنوعة، واكتساب منظور جديد، والتأمل في التجربة الجماعية، والشعور بالاستيعاب والاتصال بالآخرين، كل ذلك بأسلوب بسيط ومباشر يمكن أن يُختبر خلال دقائق قليلة من كلمات منسوجة من الواقع الإنساني.
Photo Credit: Palestine Music Space – Darine Lama
لمتابعة الفرقة: https://www.instagram.com/antene.band/
