هل يؤثر اكتئاب ما بعد الولادة على الام العاملة؟
تتراوح نسبة الأمهات العاملات في الوطن العربي ما بين ١٠ الى ٣٠٪ في القطاعات المسجلة والرسمية، وكذلك نسبة كبيرة منهن يعملن بتوظيف ذاتي (لديهن اعمال خاصة بهن او مشاريع). اما بالنسبة لصاحبات الاعمال والشركات والمشاريع المسجلة فهي لا تزيد عن ٥٪ على العموم.
يعد القطاع الخاص والعام من القطاعات الطاردة للنساء في عمر الانجاب ما بين ال ٢٠ وال ٤٠ عاماً، حيث يواصل أصحاب الاعمال توظيف الذكور لعدم انقطاعهم عن العمل بسبب اجازات الامومة وما يصاحبها من اضطرابات في ساعات العمل، وكذلك بسبب المزايا التي يمنحها القانون للأمهات العاملات مثل إجازة الامومة والتي تتراوح بين ٧٠ الى ٩٠ يوماً، وكذلك خصم ساعة عمل يومياً بسبب رضاعة الطفل مما يعني ٣٦٠ ساعة ما يساوي ٤٥٠ يوم إجازة مدفوعة إضافة الى إجازة الامومة الاصلية. عدا عن احتمالات تدني القدرة على الإنتاج في المرحلة الأولى بعد العودة الى العمل، وكذلك غياب النظم الداعمة للأمهات المنتجات الحاضنات ذات الجودة والتكلفة المعقولة والتي تقتطع غالباً جزءاً منها من اجر الام العاملة. اضافةً الى عدم وجود “صناديق امومة” او ضمان اجتماعي في بعض الدول العربية مما يعني تحمل صاحب العمل لوحده عبء اجر الام العاملة لمدة طويلة دون عمل بل وقد يضطر لتوظيف بديل لهذه الام مما يثقل عاهل القطاع الخاص وبالتالي تفضيلهم توظيف الذكور عن الاناث.
ولهذه الأسباب يعتبر عالم ريادة الاعمال وانشاء المشاريع أحد اهم المجالات لتخفيف ضغط العمل مع إنجاب الأطفال في الوقت ذاته. فالعمل الخاص للمرأة يتيح لها المرونة الكافية للعمل لساعات مناسبة مع تربية اطفالها دون ارهاقها.
اكتئاب ما بعد الولادة
ففي عام 2019، ظهر مصطلح “الأبوة السرية” لخص كيف يضطر الآباء في الكثير من الأحيان إخفاء كونهم أمهات وآباء عن مدراء عملهم. حيث يدعم عدد كبير من الأبحاث أن النساء غالبًا ما يخفين حملهن أو الأمراض المتعلقة بهن لتجنب التمييز في مكان العمل او حتى التعرض لمضايقات ليتركن وظيفتهن.
بالنسبة للكثيرين، ان الضغط الإضافي المتمثل في العودة إلى مكان العمل الذي غالبًا ما يكون صعبا على الامهات العاملات فهو أحد الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى اكتئاب ما بعد الولادة بعد العودة الى العمل، فالكثير من الأمهات يتعرضن للتغيرات الهرمونية، والإرهاق المزمن، وقلة النوم، والتغيرات في الروتين، والعلاقات، وأيضا التغيير في الأولويات بفترة ما بعد الولادة.
واكتئاب ما بعد الولادة هو من أكثر الامراض النفسية شيوعا بين النساء في فترة ما بعد الانجاب، وفقا لدراسة قامت بها مراكز السيطرة على الامراض والوقاية منها تشير الى ان واحدة من كل ثمانية نساء يصَبن باكتئاب ما بعد الولادة، بالرغم من عدم التأكد من دقة هذه الأرقام بسبب التمييز ضد هذا النوع من الامراض وتجاهلها في المجتمعات.
إن التكيف مع روتين جديد، واعباء الأمومة، والارتباط القوي مع الطفل الصغير، وتحمل مسؤوليات وضغوطات العمل والتوفيق بين جميع هذه المسؤوليات هي فقط جزء صغير من التحديات التي تواجهها الأمهات في عصرنا الحالي.
حتى انه بالنسبة للأمهات المخلصات لوظيفتهن، فإن العودة إلى مكان العمل يعني الانفصال عن طفلهن وتجربة الشعور كما لو أنهن يخترن مهنتهن على طفلهن. لذلك، من المتوقع الشعور بالاكتئاب عند العودة إلى العمل بعد إجازة الأمومة.
تختلط كل هذه المشاعر مع التحولات السريعة للهرمونات، وقلة النوم، والضغط الناجم عن ممارسة الحياة الجديدة، تشعر الأمهات العاملات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة في كثير من الأحيان وكأنهن على حافة الهاوية، هكذا علق أندريه أوينتورو، الرئيس التنفيذي ومؤسس “بريد اند بيوند”.
كشفت إحدى الدراسات العلاقة بين اكتئاب ما بعد الولادة والعودة إلى العمل ووجدت أن إجازة الأمومة التي تقل عن 12 أسبوعًا تشكل سبباً إضافيًا لأعراض اضطراب اكتئاب ما بعد الولادة.
قانون العمل المختص بحالات الامومة والامراض التابعة لها
يمنع في بعض الدول التمييز ضد النساء الحوامل في مكان العمل من كل النواحي، مثل التوظيف، والطرد، والترقيات، والتسريح، وغير ذلك من أشكال سوء المعاملة.
ولكن بعض الدول أدرجت ذلك ضمن القانون مثل الولايات المتحدة الامريكية والذي يحظر أصحاب العمل معاملة الموظفين بشكل مسيء والتمييز ضدهم لمجرد أنهم يعانون من حالة مرضية او إعاقة، ويندرج اكتئاب ما بعد الولادة تحت هذا القانون حيث انه يَمنع ارباب العمل من التمييز العنصري داخل أماكن العمل ضد النساء الحوامل واللاتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهذا القانون ينطبق فقط على الشركات التي يتعدى عدد موظفيهم ١٥ موظف، ولا يبدو ان مثل هذه القوانين منتشرة في الدول العربية.
العودة الى العمل بعد الولادة “لا اكتئاب بعد اليوم”
ينصح الخبراء الأمهات الجدد بالعودة إلى عملهن بشكل متدرج وذلك بسبب عدم الاستقرار النفسي والعاطفي التي يواجهنه بعد الولادة، فانفصال الام عن طفلها بعد حملها به لمدة ٩ أشهر والاعتناء به دون ان ينفصل عنها بتاتا لمدة تقارب الثلاثة أشهر هو امر غير سهل بل هو في غاية الصعوبة لشعور الام انها الاجدر والأفضل بالاعتناء بتفاصيل رضيعها الصغير دوناً عن غيرها. وعلينا ان لا ننسى التغييرات الهرمونية اثناء الرضاعة الطبيعية والمشاعر الفطرية من الم نفسي يرافق الام عند الانفصال عن طفلها وشعورها غير المبرر احياناً بالخوف عليه، فمسؤولية العودة الى العمل ومسؤولية الامومة في آن واحد هو امر في غاية الصعوبة وهذا لا يعني ان الأمهات لا يستطعن اتقان الامومة والعمل بشكل متساوي لكن في البداية يجب على الام اخذ الخطوات المناسبة عند العودة الى العمل كي لا يسبب لها ضغط العمل وضغط الامومة بحالة نفسية صعبة وهي اكتئاب ما بعد الولادة، أوضحت آن سميث صاحبة مؤسسة “دعم النساء ما بعد الولادة العالمية” ان كل هذه المشاعر التي تعاني منها بعض الأمهات طبيعية وقالت ان اكتئاب ما بعد الولادة هو امر شائع جدا تعاني منه ١٤٪ من النساء ويمكن علاجه، ويتم علاجه بثلاثة مراحل هي معالجة نفسية وعلاج عن طريق الادوية والدعم المعنوي من العائلة والأصدقاء والزملاء. تابعوا معنا اهم الخطوات للعودة الى العمل بشكل مريح وسلس:
البحث عن رعاية أطفال موثوقة للطفل الرضيع كي تشعر الام بالراحة النفسية والتركيز اثناء ساعات العمل.
مثل تخزين حليب الام واعطائه للطفل اثناء التواجد بالعمل. وضع جدولاً للرضاعة الطبيعية للطفل
العمل عن بعد او ساعات دوام قصيرة في البداية.
الشخصية. تعزيز حدود العمل والحياة
التحدث مع مسؤول الموارد البشرية وفهم مزايا وحقوق الموظفات عند الولادة وما بعدها.
اتباع نمط لفهم المشاعر وتقلباتها ونوع هذه المشاعر للتمكين من اكتشاف ما اذا اكتئاب ما بعد الولادة والعلاج في المراحل الأولى.
التأكيد على أن هذه الفترة سوف تمضي وستعود الحياة كما كانت مع مرور الوقت.
تحديد جدول عمل يناسب الام والعائلة وكذلك التواصل السليم مع صاحب العمل. مناقشة ظروف العمل مع المدير.
إحاطة نفسك بالأصدقاء المحبين وذوي الخبرة من افراد الأسرة ومقدمي الرعاية أمر ضروري – ليس فقط في الأسابيع القليلة الأولى في البداية، ولكن طوال إجازة ما بعد الولادة.
بالابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، فالأمومة ليست مثالية كما تظهر على يجب الانستاغرام والفيسبوك فبعض النساء اللواتي يعتبرن مؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي ينشرن محتوى امومة مثالية لا يربطهن بالحقيقة صلة، فالأمومة من أسمى وأجمل أدوار المرأة في الحياة لكن فيها الكثير من التحديات والصعوبات اللامتناهية فمحتوى التواصل الاجتماعي غير الواقعي يؤدي لعدم الأمان وانعدام الثقة عند الأمهات مما يفتح الباب لعوارض اكتئاب ما بعد الولادة.
استعادة النوم هو امر مهم جداً، فيعتبر الحرمان من النوم كام لطفل حديث الولادة أمرًا مفروغًا منه، ولكنه يمثل مشكلة. حيث يوفر النوم الطاقة الازمة للقيام بنشاط في اليوم التالي، ويزيد من إدرار الحليب، ويحافظ على قدرة الفرد على الشعور بالأمان. اطلبِ المساعدة من الأقارب والأصدقاء للمكوث مع الطفل طول فترة
الرجوع الى العمل تدريجيا، فالرجوع للعمل بشكل مفاجئ وسريع قد يؤدي لضغوطات كبيرة وبالتالي معاناة بصمت. كي تعودي للعمل بشكل سلس وصحي ابدأِ عملك بدوام جزئي لمدة شعر ثم تدرجي لساعات عملك الطبيعية بعد ذلك.
إذا أمكن للام العودة للعمل بشكل تدريجي يكون ذلك أفضل، فالعودة بشكل مفاجئ تزيد من الضغوطات على الام العاملة.
في الخلاصة، إنجاب الأطفال هو ليس مهمة الام لوحدها، بل ي مهمة يجب ان يشارك بها الاب أولا ومن ثم العائلة ومن ثم المجتمع ككل، فعندما يهتم المحيط بصحة الام العقلية سيساعدها ذلك على انشاء جيل من الأطفال الاصحاء نفسياً وجسدياً وهو ما يساعد على استمرار الأمم وبقائها.
https://hbr.org/2021/11/navigating-postpartum-depression-at-work
https://www.myshortlister.com/insights/postpartum-depression-going-back-to-work
Post Views: 0